Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
arabmedia
28 avril 2006

ديكتاتورية .. المذيع المبتسم

لا مفر في أن نختصرأي حديث عن التلفزيون العربي في قناة الجزيرة الموقرة، فقد أضحت ماركة مسجلة عالميا، و أصبحت بما لا يدع مجالا للشك – أو ربما لليقين أيضا – منبرنا الفضائي الأشهر و صوتنا العربي الأول أحببنا ذلك أم كرهناه.

التلفزيون العربي - و الجزيرة نموذجه الناجح- ليس مريضا فقط بالأنظمة المترددة التي لم تستوعب بعد معنى إستقلالية الإعلام و حرية التعبير، و لكنه مريض أيضا بصحفييه و مذيعيه و رؤساء تحريره.. فالصحفي في هذا التلفزيون جزء من نسيج ثقافي و اجتماعي و فكري لا يفصل كثيرا بين الذات و الموضوع، بين الرأي و الحقيقة، و بين الخبر و التعليق .. الصحفي - مثل نسبة كبيرة من المواطنين العرب- كائن نرجسي وديكتاتوري و متناقض.. يحارب ضد ديكتاتورية الساسة و يقمع مشاهديه، يحتج على ثقافة الإقصاء و لا يستقبل من الضيوف إلا المتفقين مع موقفه، أو بعض المختلفين معه ليذبحهم أمام ملايين الشهود من المتفرجين.. يطالب بالتعددية و يتعاطى مع العالم الفسيح بمنظار الحزب الواحد الذي يخوّن الرأي المخالف و يجرم من لا يشبهه..

هذا صاحب "الإتجاه المعاكس" يطلع على مشاهديه كل أسبوع بحزمة من الأسئلة التي يجيب نصفها الثاني عن نصفها الأول جوابا نهائيا غير قابل للطعن فيه، يختار ضيوفه ب "مهنية" عالية : ضيف وطني متشبث بقيم مجتمعه و غيور على العروبة، و ضيف آخر عميل لأميركا منسلخ عن هويته و مستعد لبيع وطنه بأبخس الأثمان ( أو هكذا يظهرهما صاحبنا).. ثم يشعل الحلبة تحت أقدام بطليه و يتحول البرنامج إلى ميدان لصراع الديكة، يسيره صاحبنا كما لو أنه صاحب القرار الأخير في صدقية هذا أو ذاك، أو كما لو أن المشاهد جالس أمام تلفازه ليستوعب الدرس و يفهم حقيقة الحياة التي ينتظرها الجميع ساطعة في كلمات هذا الصحفي الذي بعثه الله رحمة للعالمين .. تصوروا العروبة بدون "الإتجاه المعاكس".. كنا سنبيع أوطاننا جميعا و سنقف في طوابير الخيانة ننتظر أدوارنا لو لا هذا المنقذ العظيم..

صاحبنا يسألك عن القمع في الوطن العربي.. تقول له : هناك صحفيون يحبسون في سوريا، فيقاطعك قائلا: من فضلك لا نريد أن نشخص و نتحدث عن بلد بعينه، ثم يستطرد قائلا: و ما رأيك ( بعيدا عن التشخيص) بالمعتقلين السياسييين في تونس؟.. و في نهاية الحلقة يصدر قراره الحاسم: تسعون بالمائة من المشاهدين معي و عشرة بالمائة معك.. يا أخي هذا رأي الشارع ..و "ليصطفل" الليبراليون الجدد و اللائكيون و الموالون للغرب..و لتحيا قناة "الجزيرة" .. منبر من لا منبر له.

أما إذا صادف و أطل عليك إمام الصحفيين العرب و زعيم المرشدين المصلحين الوقورين المبتسمين "بلا حدود"، فقد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أبواب الجنة .. يختار لك كل أسبوع ضيوفا متميزين يتقفون جميعا على أكذوبة الغرب و نظرية المؤامرة .. منهم من جاءوا تحديدا من واشنطن أو باريس أو لندن ليفضحوا أنظمة تتلاعب بمصائر الشعوب، و يؤكدوا بما لا يدع مجالا للشك أننا نحن العرب أرقى و أذكى و أطيب من غيرنا .. نفجر أنفسنا إيثارا، و نكشر عن أنيابنا أمام العالم دفاعا عن حقوقنا المسلوبة .. و لأن إمام المذيعين العرب يتصور أنه أذكى من صاحب "الإتجاه المعاكس"، فهو يبتسم لمشاهديه بإصرار عجيب و يدعهم يحكمون وحدهم على كلام الضيف الذي يبدأ بتقديمه دائما على أنه بروفيسور فذ و مفكر عالمي .. من يجرأ بعد ذلك منا – نحن الجهال المساكين – على المعارضة أو الإجتهاد،، يكفينا اجتهاد هذا المفكر الذي سنشرب كلامه و نبتلع أفكاره كما يراد لنا أن نفعل، و إلا أصبحنا من ذيول الإستعمار و مخلفات الشيوعية.

و لن أحدثك عن الجنتلمان اللندني .. فهو لا يكتفي برأي واحد .. يحاور ثلاثة من الضيوف على الأقل دفعة واحدة، و لا يزعجه تماما أن يحسم بينهم بموقف لا جدال فيه.. هو دائما من يحسم .." و لكن يا أخي الواقع يقول عكس ذلك تماما".. هكذا ينهي كلامه مع الضيوف بضربة سيف تنهي كل الجدل و لا تبقي في ذهن المشاهد سوى إعجابه بهذا المذيع اللامع الذي يخرس ضيوفه بالضربة القاضية مباشرة قبل العودة إلى استيديوهاتنا في الدوحة.

هذا عن مذيعينا.. و قد اخترت أن أكون مثل قناة الجزيرة انتقائيا في تقديم النماذج و الأمثلة و لم أتحدث عن مذيعي العربية أو دبي أو المستقبل أو الحرة أو أبوظبي لأن عشرات الصحفيين المعجبين بالجزيرة يضطلعون يوميا على صفحات الجرائد بهذا الدور على أكمل وجه.. يكسرون كل القنوات العربية دفاعا عن قناة واحدة و فكر واحد و حزب واحد .. قناة الجزيرة التي منى الله علينا بها في نهاية القرن العشرين، لتكون لسان حالنا وصومعتنا التي نطل من أعاليها على العالم حتى نعلن أن اللعبة لن تنطلي علينا بعد اليوم.

هذا إذن عن المذيعين الذين يجب أن أستثني منهم ( و من حقكم أن تخالفوني الرأي دون أن أتهمكم بالخيانة) حافظ الميرازي وليلى الشايب و محمد كريشان و آخرون ممن يضعون المهنة تاجا فوق رؤوسهم.

أما إذا تحدثنا الآن عن الصحفيين، فإنني أجد نفسي هنا أمام ظاهرة تعم معظم القنوات و تستفحل في معظم غرف التحرير .. الصحفي عندنا ليس مجرد مهني ينتقي الأخبار بنزاهة و يحللها بإمعان و ينقلها بأمانة إلى مشاهديه كما هو الحال عند من سبقونا إلى هذه المهنة.. أبدا.. الصحفي عندنا يقرأ برقيات الوكالات ثم يكون رأيا عن مضمونها و بعدها يحول هذا الرأي إلى خبر جديد يوزعه علينا مجانا عبر الهواء لنتمتع بما يريد لنا أن نسمعه.. البرقية تقول مثلا إن منظمات إنسانية تتحدث عن عمليات قتل جماعي في دارفور.. يأتي الصحفي و يطّّلع على الخبر .. يقول في نفسه : هذا خبر مدسوس يراد من ورائه تمزيق السودان و تفتيت الخارطة العربية.. ثم يقرر أن يكتب – دون أي اهتمام لا بالصورة و لا بالخبر نفسه "أن السودان يتعرض لمزيد من الضغوط الخارجية في سياق محاولات إعادة تشكيل الشرق الأوسط و أن ما تتداوله بعض الجهات عن عمليات قتل في دارفور يأتي ليؤكد أن المنطقة العربية تواجه خطرا داهما ".. هكذا يصيغ الصحفي خبره – بحنين بالغ إلى زمن إذاعة صوت العرب- دون أن ينقل لنا الخبر و دون حتى أن يتحدث عن مصادر أو يستشهد بأرقام أو ينتقي صورا تتناسب مع نصه التحريري.. علينا أن نستمع و نستوعب لنكون أكثر وعيا بمصائرنا بفضل هذا الصحفي الذي يتقاضى راتبا مقابل الإفصاح عن رأيه الغالي للمشاهدين.. بعض الصحفيين عندنا يتصورون أن دورهم هو التوعية و شحذ الهمم كما هو دور المسؤول الحزبي في قرية عربية تتوقع وصول المدنية إليها بعد الإنتخابات..

بعض صحفيي فضائياتنا ( و هذه "البعض" ستجعل كل صحفيينا يشعرون أنهم ليسوا هم المعنيين بما أقول) نصبوا أنفسهم أوصياء على الوعي و اللاوعي العربي و فضلوا – في كسل واضح – اختيار الطريق الأقصر إلى الكتابة .. طريق استخدام النعوت و الجمل المطاطة و المواقف الثابتة و العزف على نفس الأوتار الحساسة التي تثير النخوة و العزة و مزيدا من الإحتقان في شارع عربي هجرته النخب و ذلته السياسة و الإقتصاد و خاصمه الفكر المستنير الباعث على الأمل و المحبة و التفاؤل ..

هل بعد كل هذا نتهم الأنظمة وحدها بسوء أحوالنا.. نعم إنها مسؤولة عن التعاسة المستشرية، و لكن دور الصحفي ليس في المعارضة و لا في السلطة.. دوره ليس هو إلإعلان عن الحقيقة للمشاهد، بل البحث عنها بإخلاص و نزاهة و تقديم كل أوجهها للمشاهد دون توجيه و تحريف و تشويه، ثم الإدراك بأن المشاهد كائن بشري يملك من الذكاء و الوعي ما يسمح له بإصدار الأحكام دون حاجة إلى وصي .. على الصحفي ألا ينصب نفسه ديكتاتورا جديدا علينا، و أن يعود من حين لآخر إلى كتبه المدرسية ليتذكر أبجديات الخبر و التحرير، و أن ينآى بنفسه عن التحزب في أوقات العمل .. و أرجوكم لا تستشهدوا بقناة مثل فوكس نيوز لتبرير الجزيرة .. لأنني لا أريد للجزيرة أبدا أن تكون فوكس نيوز. 

- أبولينا -

Publicité
Publicité
Commentaires
R
Vous voulez plus de visiteurs ? Plus de commentaire ? Plus de notoriete ? <br /> <br /> N'hésitez pas à tous venir referencer votre site sur http://referencement-blog.mylinea.com<br /> <br /> @ tres bientot sur http://referencement-blog.mylinea.com ! :)
arabmedia
Publicité
Archives
Publicité